عالية... شابة من "عرب المليحات" تسلحت بالتعليم لتوثق انتهاكات الاحتلال
تقول عالية (27 عاما) إنها الفتاة الوحيدة من سكان التجمع الذي يفتقر لأدنى مقومات الحياة، التي أكملت تعليمها بعد المرحلة الأساسية.
وعالية هي البنت البكر لإحدى العائلات الفلسطينية في المنطقة، وتدور سيرتها بين سكان المنطقة بأنها إحدى الفتيات اللواتي لهن حكاية مُتعبة في الحصول على العلم، بعد المرور بمحطات استثنائية.
حتى عام 2007، كانت عالية قد أنهت الصفوف الستة الأولى في المرحلة الأساسية في مدرسة "بدو الكعابنة" داخل حدود المنطقة، ثم ابتعدت عن المدرسة لست سنوات حتى عام 2013؛ لأسباب تتعلق بالدرجة الأولى بانعدام الأمن والمواصلات.
وفي صيف عام 2013 عادت عالية للتعليم ولكنها لم تعد إلى المدرسة، لعدم قدرتها على الوصول إلى المدارس الأكثر قربا من مسكنها في مدينة أريحا التي تبعد عشرة كيلومترات، حيث تقدمت لامتحان المستوى للصف التاسع.
وتوضّح مليحات: "أحضرت أهم المواد الأساسية (الرياضيات واللغة العربية، والعلوم) للصف التاسع ودرستها جيدا، وقدمت امتحان المستوى المؤهل إلى المرحلة الثانوية" في رام الله.
واعتمدت عالية على الدراسة الذاتية في البيت خلال المرحلة الثانوية، وكانت تقدم الامتحانات كباقي الطلبة
في إحدى المدارس الحكومية في مدينة أريحا. وبعد إنهاء "التوجيهي" بنجاح، أكملت دراستها الجامعية في جامعة القدس المفتوحة، وحصلت على شهادة البكالوريوس في الإدارة الصحية بتقدير امتياز.
ومنذ عام تقريبا، انخرطت كــناشطة في إحدى المراكز الحقوقية، لتبدأ مشوارا من توثيق ما تتعرض له المعرجات والمناطق المجاورة من اعتداءات للمستعمرين.
وفي هذا الشأن، تقول عالية: "نحن أمام حرب يقودها المستعمرون في الأغوار، لم تهدأ المنطقة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي".
وتضيف: "في الواقع، فإن اعتداءات المستعمرين في الأغوار الفلسطينية اختلفت بعد ذلك التاريخ بالشكل والكم. وأصبحنا نوثق أشكالا جديدة من انتهاكاتهم بشكل يومي".
ويتحدث السكان في التجمع عن مستعمر يُدعى "زوهر" يجلب معه يوميا مستعمرين مسلحين بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلي للعربدة.
والطريق العام الذي يصل المعرجات بأريحا، واحد من الطرق الأكثر خطورة في الأغوار والتي تشهد هجمات متكررة من المستعمرين على الفلسطينيين منذ سنوات.
ودفع ذلك الأهالي للتردد في إرسال أبنائهم للدراسة، قبل أن تخصص مديرية التربية والتعليم حافلة لنقل الطلبة إلى المدارس في أريحا.
وفي مناطق الأغوار، يدرك الفلسطينيون أن مصيرهم مرتبط بدرجة عالية بحصولهم على التعليم، واليوم صار الوصول إلى هذا المبتغى من ركائز المجتمع الفلسطيني في مناطق تمنع إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، من وجود أي بنية تحتية تساعد على العيش فيها.
والمعرجات، واحدة من التجمعات البدوية الفلسطينية التي تقسم جغرافيًا "للكعابنة والمليحات"، والحديث هنا عن الأخيرة التي يعتاش سكانها المقدّر عددهم بـ(1400 نسمة) بالدرجة الأولى على تربية الماشية.
وتلعب الظروف المعيشية الصعبة في كثير من مناطق الأغوار كمسبب أساسي لبروز الكثير من القصص التي تحمل جانبا مضيئا في حياة الناس. وتقول عالية: "ممتنة للبيئة القاسية التي أعيشها، لقد كوّنت شخصيتي التي أنا عليها".
وتحاول الشابة ضمن منظومة شعبية إيصال صورة واقعية عما يجري في التجمع الذي تنتمي له. وساعدها كثيرا عملها كناشطة حقوقية على اختراق حاجز الجغرافيا المحلية.
وتوضح: "كتبت عن المعرجات وحمّلتها لكل المتضامنين الأجانب إلى بلدانهم الأم، وتصلني ردود جميلة".
ويرد ذكر اسم "المعرجات" كثيرا على ألسنة الناس في الأغوار الفلسطينية، كواحدة من المناطق التي صارت تحت مرمى المستعمرين. "ولولا هذا التضييق المتعمد الذي تمارسه إسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال، لما سمعنا عن تخلف أحد من الفلسطينيين عن مقاعد الدراسة"، تؤكد عالية.
على مدار الوقت، أمكن للشابة توثيق الكثير من انتهاكات المستعمرين ضد المواطنين في المعرجات، وفعليا لا يمكن حصر ذلك بشكل دقيق، لكن ما أصبح متداول بين الناس هو الاستعمار الرعوي بمفهومه البسيط: "استيلاء المستعمرين على المناطق الرعوية التي كانت تحت استخدام الفلسطينيين لطردهم منها.
وتوضّح عالية: "أغلقوا كل المراعي القريبة، وطردوا الرعاة من مراعيهم".
وصعّد الاحتلال الإسرائيلي خلال الأشهر القليلة الماضية من إجراءاته الرامية للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، خاصة في مناطق الأغوار ومحيطها.
فمنذ مطلع العام الجاري، تم الاستيلاء على حوالي 24 ألف دونم تحت مسمى استعماري تهويدي جديد هو "أراضي الدولة"، فيما بلغ مجمل ما تم الاستيلاء عليه تحت المسميات المختلفة 39 ألف دونم، بهدف حصر الوجود الفلسطيني في أراضي الضفة، وتثبيت وحصر الجغرافيا الفلسطينية فيها، من أجل إعدام أية فرصة لقيام دولة فلسطينية في المستقبل.
ويستهدف الاحتلال في الغالبية العظمى من عمليات الاستيلاء الأخيرة مناطق الأغوار، والتي تشكّل حوالي 30% من مساحة الضفة الغربية، إضافة إلى مناطق شفا الأغوار وهي المناطق المطلة عليها، ويعمل من خلال ذلك على تسريع تنفيذ مخططات قديمة تهدف إلى ضم الأغوار وإحكام السيطرة عليها، بحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان.
ويتعرض تجمع المعرجات لاعتداءات متواصلة من الاحتلال ومستعمريه في محاولة لتهجير سكانه. وأواخر عام 2023، وثقت المؤسسات الرسمية الفلسطينية تهجير 25 تجمعا سكانيا بدويا من شفا الأغوار والسفوح الشرقية للضفة تحت تهديد وعربدة المستعمرين، ثم تبعتها أوامر متلاحقة من سلطات الاحتلال بالاستيلاء على آلاف الدونمات بذرائع مختلفة، تمهيدا لتوسيع الاستعمار فيها وإنهاء الوجود الفلسطيني.
اخر الاخبار
قد يعجبك ايضا