الأردن.. تجربة زراعية جديدة تحولت لأول بنك عربي للبذور الأصيلة
بسعادة غامرة، يرتحل ليث دويكات من محافظة أردنية إلى أخرى، ومن بلاد إلى بلاد، حاملا بذورا أصيلة، وهدفه لا يحيد عن إكثارها لتحقيق الأمن الغذائي ليس لبلاده الأردن فقط، إنما للأمة العربية والإسلامية، وكلما نجحت تجربة زراعية، في بلاد ما، سعى إلى استنساخها، وتوسيع رقعتها، بعد تجنب تحدياتها.
وقال الثلاثيني دويكات الذي أخذ على عاتقه مهمة تأصيل البذور وإكثارها، مدفوعا بأحلام النجاح، إنه يكد حثيثا لإشاعة ثقافة زراعية جديدة، تختلف عن الأنماط السائدة، وتجنب المزارعين خسائر التقليد، وكلف التسويق، عبر تبني أفكار زراعية جديدة، منتجة وغير مكلفة، وتقود لتحقيق الأمن الغذائي لبلاد تستورد أزيد من 90% من احتياجاتها الغذائية، وفق تصريحات رسمية.
الدويكات الذي أنشأ أول بنك عربي للبذور الأصيلة، وصار يمتلك 800 أصل وراثي لبذور بقوليات وحبوب ومحاصيل خضروات ومحاصيل عطرية وفواكه وبذور برية، يقول للجزيرة نت "استطعت إكثارها على مدار 4 سنوات ونصف السنة وتوزيعها في أكثر من 19 دولة عربية ومسلمة لتحقيق وحدات غذائية في العالم العربي والإسلامي".
ولتحقيق السيادة الغذائية لتنمية إرث الشعوب، وزّع الدويكات 200 ألف شجرة مثمرة في مختلف أنحاء المملكة، وأعد 60 ألف كرة طينية ونثرها في المناطق الجبلية لتوسيع رقعة الغطاء النباتي، موضحا أنه جرى نثر قمح في 67 ألف دونم بالتعاون مع 3800 مزارع، وجهز 3 حفائر مائية في منطقتي المفرق والأزرق، في مسعى لاستدامة هذه المحاصيل لفائدة مربي الماشية، فضلا عن تدريب 15 ألف مزارع على الزراعات النوعية والصناعات التحويلية.
وحقق الدويكات اكتفاء ذاتيا جزئيا في عدد من المناطق الأردنية من منتجات الفطر، الكركم، الكمون، الفريكة، والثوم، ووزع ما يزيد على 6 مليارات بذرة أصيلة داخل العالم العربي والإسلامي مجانا، إضافة إلى استزراع 100 ألف سمكة في السدود والحفائر المائية المملوكة للدولة، وإنشاء العديد من المشاغل والمصانع الغذائية والتحويلية والأسمدة الزراعية، موفرا مئات فرص العمل للشباب.
يقول نضال مريان، الذي عمل مديرا في وزارة التربية لنحو 30 عاما، إنه عرض فكرة إنتاج الكركم على ليث دويكات وشركته "روابي فرح"، التي وفرت له بذورا للكركم زرعها العام الماضي في بيتين بلاستيكيين وبمساحة لا تتجاوز الدونم المربع.
وأثناء زيارتنا له في بلدة النعيمة، بمحافظة إربد (70 كيلومترا شمال العاصمة عمّان) قال مريان للجزيرة نت "زرعت 100 كيلوغرام من بذور الكركم أنتجت حوالي 2300 كيلوغرام"، واصفا تجربته بالمثمرة.
واليوم، يستعد مريان لتكرار التجربة بعد أن وصل لنتائج وصفها بالمذهلة، ويوضح "أنتج الكيلوغرام الواحد حوالي 35 كيلوغراما، بعد دورة زراعية كاملة، قياسا بدول المنشأ التي لا يتعدى إنتاج الكيلوغرام الواحد فيها حاجز 7 كيلوغرامات".
هذه النتائج حفزت مريان على مواصلة درب زراعة الكركم ولا سيما أنه صار اليوم من أهل المعرفة، وأصبح الناس يسألونه عن تفاصيل التجربة، رغم حداثة عهده في زراعة الكركم، لكنه مكن نفسه بالمعرفة، بالاستناد إلى شغفه الزراعي منذ الطفولة، وإلى ما تمده شركة "روابي فرح" من حلول ومقترحات.
يتجول مريان بمركبته الخاصة على عدد من جيرانه المزارعين مقدما النصيحة، ومجيبا عن استفساراتهم، في إصرار على توسيع التجربة، ومد المزارعين بخطوط إنتاج جديدة، تتناسب وبيئاتهم الزراعية، وتعود عليهم بالنفع المالي، ولا سيما أن سعر كيلوغرام الكركم محليا يصل لحوالي 25 دولارا.
ينفق الدكتور إياد مسلم مدير مديرية التقانات الحيوية في المركز الوطني للبحوث الزراعية، الساعات الطويلة في مختبر زراعة الأنسجة النباتية، لإجراء الدراسات العلمية على عدد من النباتات من بينها الكركم والزنجبيل والزعفران وغيرها من النباتات غير التقليدية.
يقول مسلم للجزيرة نت "استجابة لمتغيرات كثيرة من بينها حاجة المزارع إلى زراعة أصناف غير تقليدية، أجرينا العديد من الدراسات على نباتات عديدة، منها: الكينوا، الكركم، والأناناس، وجاءت نتائجها محفزة وملائمة لمناخ الأردن وتربته، إضافة إلى جدواها الاقتصادية ومناسبتها للبيئة وعدم حاجتها للكثير من المياه"، مؤكدا إدراجها اليوم ضمن سلة الأردن الزراعية.
ويعمل مسلم حاليا بقسم زراعة الأنسجة في المركز الوطني لإكثار نبات الكركم بتقنيات حديثة، ليتسنى توفير عدد أكبر من شتلات الكركم للمزارعين في العام المقبل، نظرا للإقبال المتزايد على زراعة هذا النبات في الأردن.
الكركم اليوم ينافس القمح الوطني في بلاد ظلت تنتج ما يسد حاجتها حتى مطلع ثمانينيات القرن الماضي، فبدأت باستيراد القمح، من دول عديدة، بمعدل 100 ألف طن سنويا، حتى وصل استيرادها عام 2022 حوالي 700 ألف طن سنويا، فيما احتياجها السنوي يصل لنحو مليون طن، واستهلاك مواطنيها الشهري حوالي 30 ألف طن، حسبما قالت مصادر للجزيرة نت في وزارة الزراعة التي تستعد لإنشاء بنك بذور بقيمة 3 ملايين دينار (أكثر من 4 ملايين دولار)، بمنحة من الجامعة الهاشمية وبدعم من مؤسسات حكومية.
وزير الزراعة الدكتور خالد حنيفات أكد في لقاء للجزيرة نت دعم الوزارة المشاريع الريادية من خلال ذراعها التمويلية -مؤسسة الإقراض الزراعي- بمبلغ 20 ألف دينار دون فائدة، إضافة إلى توجيه المنح إلى مشاريع مثل "زراعات النقص" أو "العجز" والتي لا يتم إنتاجها محليا.
وفيما يخص المحاصيل الحقلية، أكد حنيفات أنه ومع التغيرات المناخية وانخفاض الهطول المطري وزيادة رقعة البناء على حساب الرقعة الزراعية، إضافة إلى تفتت الملكية، انخفضت كميات الإنتاج من القمح والشعير وانحصرت ضمن المناطق التي يزيد فيها الهطول المطري على 300 مليمتر، ورغم ذلك فإن الوزارة تعمل على دعم هذا القطاع من خلال توزيع الحبوب المنتخبة من قبل المؤسسة التعاونية، وشراء المنتج المحلي من القمح والشعير بـ3 أضعاف سعره العالمي، لتشجيع المزارعين على التوسع بزراعتهم.
وتتجه الوزارة ضمن الخطة الوطنية للزراعة المستدامة لدعم القطاع والتعامل مع التغيرات المناخية عبر برامج الحصاد المائي، حيث عملت الوزارة على إنشاء 63 حفيرة وسدا و5 آلاف بئر تجميع مياه خلال عام 2022 ودعم خطط الزراعات غير التقليدية، مثل الاستزراع السمكي، والزراعات الاستوائية والزعفران ومشاريع توفير المياه والطاقة.
وأشار إلى سلسلة الإنتاج الزراعي التي استهدفتها الوزارة من خلال تحرير مدخلات الإنتاج وتقليل تكلفتها وإنشاء شركة تسويق زراعية لضمان أسواق جديدة وبرامج إرشادية لتوجيه القطاع إلى الزراعات ذات القيمة الاقتصادية والقيمة المضافة، وتطوير سلة الصناعات الغذائية من خلال إنشاء 6 مصانع لاستيعاب الفائض في الأغوار وتقديم فرص استثمارية في المدن الصناعية تدفع من خلالها الوزارة تكلفة الاستئجار لـ5 سنوات مع جملة من الإجراءات التحفيزية وصولا إلى تحقيق الأمن الغذائي.
اخر الاخبار
قد يعجبك ايضا