الفاقة ارتفعت في أوساط أطفال إنجلترا بعد الجائحة
وسجل عدد الأطفال الذين يحتاجون إلى دعم مجالس المقاطعات زيادة بنحو 16 ألفاً في السنة، ليصل إلى نحو 283 ألفاً. وتعد هذه القفزة أعلى بـ16 مرة من الزيادة التي سجلت في العام السابق.
واستناداً إلى تحليل أجرته "شبكة مجالس المقاطعات" County Councils Network (CCN) - التي تمثل 20 مجلس مقاطعة و17 مجلساً أحادياً (سلطة محلية مسؤولة عن توفير جميع خدمات الحكومة المحلية ضمن نطاقها)، فقد أدى الارتفاع في الطلب على الرعاية، إلى دفع أربعة من كل خمسة من أكبر المجالس المحلية في إنجلترا، إلى زيادة الإنفاق، وتجاوز موازناتها بملايين الجنيهات.
موظفون في مجالس محلية ومسؤولون في جمعيات خيرية عزوا هذا الارتفاع في الأرقام، إلى تزايد الحاجة للرعاية التي سببتها آثار الجائحة وأزمة غلاء المعيشة، الأمر الذي دفع بأعداد إضافية من الأسر إلى براثن الفقر.
وقد وصفت إحدى الاختصاصيات في مجال الرعاية الاجتماعية للأطفال في لندن هذا الوضع، بأنه "أحد أصعب الأوقات التي شهدها العمل الاجتماعي على الإطلاق في البلاد، إن لم يكن الأصعب، الذي اختبرته حتى الآن".
وأضافت أن "الضغوط أصبحت غير محتملة، بسبب التضخم وأزمة ارتفاع كلفة المعيشة والبطالة - وجميعها مسائل مترابطة، بحيث إن الأسر لم تعد قادرة على التكيف مع آثارها".
وفي هذا الإطار، سجل عدد الأطفال الذين يخضعون لرعاية المجالس المحلية المباشرة في مختلف أنحاء البلاد، رقماً قياسياً بلغ 82 ألف طفل، بينما تراجع عدد مقدمي الرعاية الحاضنة (أفراد أو أسر تقدم مسكناً موقتاً ورعاية لأطفال ويافعين لا يستطيعون العيش مع أسرهم الأصلية لأسباب مختلفة) بشكل واضح سنة بعد أخرى. وبلغ إجمالي الطلبات التي تلقتها المجالس في مختلف أنحاء إنجلترا من أفراد أو أسر، في مجال تقديم رعاية حاضنة 3,665 في السنة المالية 2021 - 2022، أي بتراجع عن السنة التي سبقتها عندما كان في حدود 5,099 طلباً.
كيث غلازيير، العضو في مجلس محلي والمتحدث باسم خدمات الأطفال في "شبكة مجالس المقاطعات"، رأى "ألا خيار أمام المجالس سوى زيادة الإنفاق وتخطي موازناتها المخصصة لخدمات أطفالها، وذلك من أجل حماية الشباب اليافعين".
لكنه لفت إلى أن هذا الإنفاق "غير مستدام". وقال، "هذه الأرقام المقلقة تؤكد مرة أخرى الآثار التي خلفتها كل من الجائحة وأزمة غلاء كلفة المعيشة، على الأسر الضعيفة".
واستناداً إلى أرقام "شبكة مجالس المقاطعات" فإن من بين 36 مجلس مقاطعة، تجاوز نحو 30 مجلساً محلياً الإنفاق في موازناته بمبلغ إجمالي قدر بـ316 مليون جنيه استرليني (401 مليون دولار أميركي). وتتولى مجالس المقاطعات شؤون 48 في المئة من سكان إنجلترا.
وتبين الأرقام أن عدد الأطفال الذين يحتاجون إلى الدعم من مجالس المقاطعات، ارتفع بنحو 16,030، عن عتبة 267,650 في السنة المالية 2020 -2021، ليبلغ 283,680 في السنة التي تلتها 2021 - 2022، وذلك مقارنة بارتفاع مقداره 1,044 في الفترة الممتدة ما بين السنتين الماليتين 2018 - 2019، و2019 - 2020.
وقالت باتريش، وهي اختصاصية اجتماعية في مجال رعاية الأطفال في لندن لـ"اندبندنت"، إنها كانت ترى الزيادات الهائلة في عدد الأطفال الذين تتم إحالتهم للحصول على دعم المجلس المحلي، فضلاً عن الزيادة في تعقيد حاجاتهم.
وقالت "ما زلنا نتعامل مع تداعيات العامين الماضيين، ويشمل ذلك تسجيل زيادة كبيرة في تقييمات ما قبل الولادة [نوع من التقييم الذي يتم إجراؤه قبل ولادة الطفل والغرض منه هو تحديد أي مخاطر محتملة على سلامة الطفل ورفاهيته، ووضع خطة لتقليل هذه المخاطر أو القضاء عليها]، بحيث أثيرت مخاوف في شأن قدرة الأمهات على رعاية أطفالهن بعد الولادة. ولاحظنا أيضاً أن كثيراً من المراهقين يأتون إلى الرعاية في مرحلة متأخرة جداً، ربما في سن الـ14 أو الـ15 أو حتى الـ16. ولدينا مجموعات كبيرة من الأشقاء، ربما ما بين 10 و12 طفلاً".
ورأت أن "زيادة الفقر ومشكلات الصحة العقلية، وارتفاع نسبة العنف الأسري، جميعها عوامل تسهم في زيادة عدد الإحالات إلى الرعاية الاجتماعية".
ولفتت باتريش أيضاً، وهي عضو في الجمعية البريطانية للأخصائيين الاجتماعيين، إلى تسجيل زيادة في حالات الإساءة من قبل الأطفال تجاه أحد أو كلا الوالدين، التي تفاقمت بسبب الإحباط الناجم عن الوجود معاً لفترات طويلة من الوقت أثناء إغلاق "كوفيد".
وقالت "إننا نشهد أيضاً زيادة في عدد الحالات التي تتم فيها رعاية أطفال ينتمون إلى الأسرة نفسها. وتتبادر إلى ذهني إحداها، كان فيها طفل يخضع لإجراءات الرعاية (المدة التي تحدد فيها المحكمة أفضل ترتيبات معيشية للطفل)، فيما أصبحت الأم حاملاً مجدداً في هذه الفترة".
وأضافت أنه "في حالات العنف الأسري تتمثل إحدى الطرق التي يتحكم بها الرجال في النساء، بإبقائهن في حالة حمل، وهذا هو السبب في الولادات المستمرة. إنني أتحادث مع كثير من الاختصاصيين الاجتماعيين، وأود أن أؤكد أن هذه الحالات، من أصعب فترات العمل الاجتماعي -إن لم تكن أصعبها- التي مررت بها على الإطلاق".
عمران حسين، مدير السياسات والحملات في منظمة "أكشن فور تشيلدرن" Action for Children (مؤسسة خيرية لديها سبعة آلاف موظف ومتطوع، تعنى بمساعدة الأطفال والشباب المعرضين للخطر) أشار إلى أن العدد المتزايد من الأطفال الذين تتم إحالتهم إلى الخدمات الاجتماعية، "يعود إلى عقد زمني من التخفيضات في التمويل الحكومي لخدمات الدعم المبكر، كمراكز الأطفال".
ونبه إلى أنه "في حال تم تخفيض الخدمات التي تعالج المشكلات في وقت مبكر، فسيكون لدينا نظام رعاية اجتماعية يعاني من مصاعب، ويخذل الأفراد الذين يحتاجون إلى الحماية".
يشار في هذا الإطار، إلى أنه يوجد عدد قياسي من الأطفال تحت رعاية السلطات المحلية في البلاد، بحيث تم تسجيل 82,167 طفلاً في السنة المالية الماضية.
كلير بريسي مديرة السياسات والحملات في مؤسسة "بيكام" Become الخيرية الوطنية لرعاية الأطفال والشباب، تصف الأرقام بأنها "مثيرة للذهول". وترى أنه "يتعين على الحكومة- إضافة إلى ضرورة وضع حد للضغوط المالية على الأسر الأكثر عرضة للخطر- أن تستثمر في نظام الرعاية الاجتماعية، إذ إن عدداً كبيراً للغاية من الأطفال يواجهون مزيداً من حال عدم الاستقرار، وقد حان الوقت للعمل الآن".
هذا وقد اتصلت "اندبندنت" بوزارة التعليم البريطانية للتعليق على ما ورد في هذا التقرير.
اخر الاخبار
قد يعجبك ايضا