التشكيل الفلسطيني ضيف "أيام قرطاج للفن المعاصر"
في سهرة الاختتام أوضحت وزيرة الثقافة التونسية حياة قطاط قرمازي أن الوزارة تضع في جوهر توجهاتها تثمين قطاع الفن التشكيلي في تونس ودوره في الارتقاء بالذائقة العامة، وذلك لما يحمل من ثراء تعبيري في مجال الفنون البصرية والمرئية وما يتميز به من تنوع في مدارسه الفنية.
وتم الإعلان عن الجوائز الثلاث الخاصة بالدورة وقد حاز الرسام التونسي رؤوف قارة على الجائزة الأولى، فيما آلت الثانية إلى النحات محمد بوعزي والجائزة الثالثة كانت من نصيب الفنانة إلهام السباعي، أما لجنة التحكيم فترأسها الرسام والناقد سامي بن عامر بعضوية الرسامة التونسية كوثر الجلازي والرسام الجزائري زبير هلال. وتم تكريم الرسامين محمد إمطيمط وعبد المجيد بن مسعود اعترافاً لهما بفرادة تجربتيهما وتميزهما في حركة الفن التشكيلي التونسي.
وأكد المشرفون على التظاهرة حرصهم على تواصلها مستقبلاً، احتفاء بالفن التشكيلي في تونس وبمختلف مدارسه وتجلياته الإبداعية والاطلاع على الأعمال الجديدة، بدعم من المتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر، الشريك الأساس للتظاهرة. وقد أشارت إلى ذلك أحلام بوصندل، الرسامة والمديرة العامة للمتحف، وعضو الهيئة المديرة للدورة الثالثة لأيام قرطاج للفن المعاصر، باعتبار أن التظاهرة تحمل في جوهرها طروحات تتقاطع مع أهداف بعث المتحف، ولأنها تسعى إلى تأسيس تقاليد تشكيلية في علاقة بالفن المعاصر بعيداً بعض الشيء عن التقليد الكلاسيكي.
رمزية شعار "الفن طريق"
بعد غياب 3 سنوات عادت التظاهرة بشعار "الفن طريق... طريق الفن" لما يحمل من أبعاد رمزية تفتح طرق الجمال ومنافذ النور. شعار يعكس روح المهرجان ويركز على قوة الفن المعاصر في إلهام محبّيه، فالفن طريق للتواصل والتعبير عن الأفكار والمشاعر والقضايا، وهو أيضاً طريق للاكتشاف والابتكار والتغيير والتأثير.
وقد مثّل اختيار هذا الشعار طريقة وطريقاً نحو مشهد فني ثوري ومتجدّد سلكه من قبل عدد من الفنانين الكبار كوسيلة للتعبير والتأثير في أعمالهم وأقوالهم. "الفن طريق للتعبير عن الروح البشرية"، مثلما قال الفنان بابلو بيكاسو وهو "الطريق الوحيد الذي نعبّر به عن أنفسنا" بحسب قول فريدا كاهلو التي استخدمت الفن للتعبير عن الألم والقوة الشخصية. وقد يمثل الفن "طريقاً لاكتشاف الذات" مثلما رآه فان غوخ الذي ترك وراءه إرثاً فنياً هائلاً. ولكن "الفن في النهاية هو وسيلة للاتصال باللغة التي تتجاوز الكلمات" مثلما قال العبقري الإيطالي ليوناردو دا فينشي أو ربّما هو "طريق للتحرر"، لا سيّما أن المشرفين على هذه الدورة اختاروا فلسطين ضيف شرف الأيام القرطاجنّية، كنوع من الدعم الفنيّ لفلسطين ونضالاتها، علماً أن خوان ميرو الفنان الإسباني، كان استخدم الفن للتعبير عن الخيال والأحلام رافعاً هذا الشعار من قبل.
اختيار فلسطين ضيف شرف هذه الدورة مثّل أيضاً "تحية رمزية من المبدعين التونسيين إلى أشقائهم في فلسطين الأبية"، بحسب ما ورد على لسان مديرة الدورة الثالثة للمهرجان سميرة التركي ترجمان، ولكن أيضاً مثّل مناسبة للاطلاع على التجارب الفنية الفلسطينية في مجال الفن المعاصر نظراً إلى أن القضية الفلسطينية تحظى بتقدير واهتمام خاصين لدى الشعب التونسي. وقد خُصِّص لها جناح ضم عشرة أعمال فنية من القدس وغزة ومن رام الله تعكس الحياة اليومية للفلسطينيين وتصوّر المدن الفلسطينية وقد شاركت وزارة الشؤون الثقافية الفلسطينية في إنجاز هذا الجناح.
ندوات علمية وتكريمات
خمسة أيام من الفن والخلق والإبداع عاش على وقعها أحباء الفن التشكيلي، وحضر فيها الرسم والموسيقى والندوات، عبر تنظيم أشغال فكرية متنوّعة أثّثها جامعيون وباحثون ورسامون من تونس وخارجها، مما دعم فرص الاستفادة بين الضيوف، من روّاد ومختصين.
وتضمنت الدورة لقاءات عدة ونشاطات من بينها ندوة علمية حول "حق التتبع" لضمان حقوق الفنان أثناء بيع العمل الفني وبعده، نظمتها "المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة". وخلص اللقاء إلى ضرورة نشر ثقافة حقوق المؤلف في الأوساط الثقافية لأنها وحدها الضامنة للحقوق المادية والمعنوية للمبدع.
"مدرسة تونس للفنون التشكيلية" حضرت أيضاً بثقلها التاريخي والثقافي والجمالي في الدورة الثالثة عبر معرض استعادي ضخم تم تدشينه في رواق "دار الفنون" في البلفيدير بالعاصمة، ضمّ أعمالاً وصورَ رموز المدرسة. ومن بين الأسماء المؤسسة للمدرسة خلال أربعينيات القرن العشرين نجد بيار بوشارل ويحيى التركي وجيل للوش وموس لي في وأنطونيو كوربورا وجلال بن عبدالله... وتُبرز أعمالهم بدايات التشكيل التونسي، وكانوا منشغلين في تلك الأزمنة، بالطبيعة والحياة اليومية للتونسيين، والمنازل والأسواق والحقول وأزقة المدن... ومن رموز الموجة الثانية نجد أعمال الأخوين زبير والهادي التركي وصفية فرحات وعبد العزيز القرجي وفتحي بن زاكور وعمار فرحات وعلي بِلّاغة وإبراهيم الضحاك... وهو الجيل الذي اجتهد في "توْنسة" أعماله. كما خصت المدرسة المرأة التونسية بنصيب وافر من الأعمال. ألقى المعرض الاستعادي أيضاً الضوء على منجز هذه المدرسة ودورها التاريخي في "تونسة" الأعمال الفنية بعد مرحلة الاستعمار الفرنسي.
عرفت الدورة الثالثة لـ"أيام قرطاج للفن المعاصر" مشاركة حوالى 150 فناناً من 23 دولة موزعين على 16 رواقاً منها 7 مخصصة للتونسيين ضمت 50 عملاً فنياً و9 أروقة للعرب وللأجانب ضمت 63 عملاً فنياً. عرضت الأعمال في البهو الرئيسي لمدينة الثقافة الشاذلي القليبي، الذي تغير وجهه وازداد بهاءً بألوان اللوحات والمنحوتات المعروضة.
اكتسبت تظاهرة "أيام قرطاج للفن المعاصر" أهميتها من حقل فني وفكري وجمالي مخصوص، ومن زوايا مختلفة طرحتها ضمن أنشطتها الفكرية، إضافة الى التكريمات والتتويجات. وعلى رغم غياب ندوات علمية تسلّط الضوء على عديد المسائل كالنقد والنقّاد في هذا المجال الإبداعي، وعلى رغم تعثّرها مادياً وتنظيمياً، فإنها تعد مكسباً لقطاع "خرّبته" التجاذبات والمناكفات النقابية و"المحسوبية".
اخر الاخبار
قد يعجبك ايضا