فضيحة في إنجلترا: أطفال معتلون نفسيا وضعوا في أقسام غير مناسبة
وتظهر أرقام جديدة كشفت عنها "اندبندنت" أن ما لا يقل عن 2838 طفلاً يحتاجون إلى رعاية صحية عقلية قد تم إدخالهم مستشفيات غير متخصصة في العلاج النفسي العام الماضي، نتيجة معاناة مرافق "خدمة الصحة الوطنية" (أن أتش أس) NHS من نقص في الموظفين المتخصصين، ومن ارتفاع أعداد المرضى.
وتبين أن الأطفال الذين يعانون اضطرابات الأكل - والذين يحتاجون غالباً إلى تقييد حركتهم كي يتم إطعامهم عبر أنابيب - هم من بين أولئك المرضى الذين يوضعون بشكل روتيني في أجنحة عامة. وهذا يعني أن العاملين الصحيين الذين لم يتلقوا أي تدريب متخصص، بمن فيهم حراس الأمن، يقومون أحياناً بعملية تقييد هؤلاء المرضى اليافعين.
رئيسة الممرضات في أحد المستشفيات قالت لـ"اندبندنت" إنه تعين تدريب البوابين على تقييد المرضى الصغار في أجنحة الأطفال، مما تسبب بصدمة لكل من المرضى والموظفين.
إحدى النساء، وتدعى إليزابيث غرايدي، أكدت لـ"اندبندنت" أن ابنتها المراهقة التي كانت تعاني اضطراباً في الأكل، أجبرت - في انتظار تأمين سرير لها في جناح السلامة العقلية - على البقاء في جناح طب الأطفال العام لمدة 14 أسبوعاً، حيث كان حراس الأمن يقومون يومياً بتقييدها.
يأتي ذلك في وقت أشارت فيه بيانات حصلت عليها "اندبندنت" إلى الآتي:
• حضر في عام 2022 نحو 70 ألف طفل إلى أقسام "الحوادث والطوارئ" A&E، وهم في حاجة إلى رعاية في مجال السلامة العقلية، منهم 4825 اضطروا إلى الانتظار أكثر من 12 ساعة كي تتم معاينتهم - وهو ما يقرب من ضعف عدد الذين انتظروا هذا الوقت الطويل في عام 2021.
• ارتفع عدد الأطفال الذين يعانون اضطرابات الأكل الذين يعالجون في أجنحة الأطفال، بأكثر من الضعف في ثلاثة أعوام، بحيث زاد الرقم من 473 في عام 2019، إلى 1029 في عام 2022.
• أمضى مريض عقلي 260 يوماً في جناح عام في عام 2022، فيما بقي طفل آخر لمدة 386 يوماً في مستشفى آخر منذ عام 2021.
الدكتورة كاميلا كينغدون رئيسة "الكلية الملكية لطب الأطفال وصحة الطفل" Royal College of Paediatrics and Child Health، أعربت عن "قلق بالغ" من هذا الوضع. وقالت "نحن الآن نواجه وضعاً نجد فيه أن الأطفال والأحداث الذين يعانون اضطرابات الأكل أو اعتلالاً في السلامة العقلية، والذين وضعوا على قوائم انتظار طويلة لتلقي العلاج، يضطرون أكثر فأكثر إلى دخول أقسام الطوارئ، ليصار بعد ذلك إلى إحالتهم إلى أجنحة عامة لطب الأطفال. إن هذا ببساطة ليس بالوضع المناسب أو السليم".
وأضافت "يتعين علينا التعامل مع هذا الوضع، وإلا سيكون أطفالنا هم الذين يدفعون الثمن الأكبر. وقد حان الوقت لإعادة وضع هؤلاء الصغار - الذين غالباً ما تم تجاهلهم في السياسة الصحية - في صلب الأجندة السياسية".
"طرق تقييد صادمة"
من المعلوم أنه لا يوجد في الوقت الراهن أي شرط من جانب هيئة "أن أتش أس" على المستشفيات التابعة لها، بوجوب القيام بتوثيق الطرق التي يتم من خلالها تقييد المرضى اليافعين في أجنحة الأطفال. وقد وصفت البرلمانية في حزب "العمال" البريطاني المعارض أوليفيا بلايك - التي كتبت لـ"اندبندنت" - هذا الواقع بأنه "فضيحة متوقعة ووشيكة".
وكتبت تقول "لقد سمعت قصصاً مروعة عن عاملين اضطروا إلى إغلاق أجنحة كاملة لمرضى آخرين بسبب قيامهم بإجراءات تقييد حركة مرضى. وفي حالات أخرى، تم إحضار حراس الأمن لتقييد المرضى. وأخبرتني إحدى المنظمات بأنها بدأت تقديم دعم في مجال السلامة العقلية للعاملين الطبيين الذين يتولون ضبط المرضى في ظل هذه الظروف".
إحدى رئيسات الممرضات في "خدمة الصحة الوطنية" أوضحت لـ"اندبندنت" أن التحدي "الأكبر" في مجال طب الأطفال في المستشفى الذي تعمل فيه، يتمثل في طريقة التعامل مع عدد الأطفال الذين يعانون اضطرابات الأكل، بحيث إنه تضاعف بنحو 3 مرات عما كان عليه قبل جائحة "كوفيد"، بالنسبة إلى المرضى الذين يتعين إدخالهم إلى الأجنحة اللازمة في المستشفى لتلقي الرعاية.
ولفتت إلى أن "معظم مستشفيات الأطفال يتوافر فيها مكان أو مكانان (لهؤلاء الأطفال)، لكن لن تكون لديها القدرة على مواجهة الأزمة الراهنة التي يواجهها قطاع السلامة العقلية للأطفال".
أحد قادة "خدمة الصحة الوطنية" أكد هو أيضاً أن مستشفيات اضطرت إلى الاستعانة بالبوابين لديها لتقييد حركة الأطفال في الأشهر الأخيرة مع تزايد الحاجة لذلك. وقال "إنهم في العادة رجال أقوياء البنية، وفي متوسط العمر. وفي حين أن جميع هؤلاء الأطفال تقريباً عانوا من صدمات نفسية سابقة في حياتهم، فهم يضطرون إلى الخضوع لصدمات أكبر، نتيجة تقييد حركتهم على يد هؤلاء الرجال غير المتخصصين".
ويشير المسؤول الصحي إلى أن "الموظفين أنفسهم، أصيبوا أيضاً بصدمة فعلية، وتعين عليهم الخضوع لجلسات ومراجعة أحياناً لدى اختصاصيي علم النفس لدينا (اجتماعات تمكنهم من التحدث عن تجاربهم ومشاعرهم مع محترفين، ومناقشة التحديات التي يواجهونها، وتلقي الدعم العاطفي)".
وقد أظهرت ردود تم تلقيها بموجب قانون حرية الحصول على المعلومات، من 54 مستشفى في مختلف أنحاء إنجلترا - أكثر من ثلث جميع المستشفيات التابعة لـ"أن أتش أس" - أنه تم تسجيل 2838 حالة دخول لأطفال يعانون حالة صحية عقلية إلى أجنحة الصحة البدنية في عام 2022. وهذا الرقم هو أقل بقليل من عام 2021 عندما ارتفعت عمليات قبول هؤلاء المرضى إلى 3461 عبر هذه المستشفيات. أما متوسط عدد الأيام التي أمضاها مرضى الصحة النفسية في تلك الأجنحة فكان 12 يوماً.
"تجربة أشبه بأحداث فيلم رعب"
أصيبت ابنة السيدة غرايدي - التي هي في سن المراهقة، وتعاني التوحد - بأزمة صحية عقلية في عام 2021، واضطرت إلى المكوث 14 أسبوعاً في جناح الأطفال العام في مستشفى في إيسيكس، أثناء انتظار تأمين سرير لها في جناح السلامة العقلية للأطفال والمراهقين.
ووصفت السيدة غرايدي تلك التجربة بأنها كانت "مروعة" وأشبه "بأحداث فيلم رعب". وقالت "جرى تقييدها لساعات متتالية على يد (6) من حراس أمن المستشفى... وكان هناك أيضاً ما يصل إلى 6 عاملين صحيين داخل الغرفة يمسكون بها أثناء تمرير أنبوب (تغذية أنفي معدي) إلى بطنها، ومن ثم كان يتوجب إخراج الأنبوب في كل مرة".
وتضيف والدة الطفلة: "لم يتلق أي من الأطباء الاستشاريين في المستشفى تدريباً في مجال السلامة العقلية، كما أوضحوا لي. علاوة على ذلك، كانت بيئة الغرفة غير مناسبة على الإطلاق لعلاج حالات الصحة الذهنية. من الواضح أنه كان هناك كثير من الأطفال الصغار الذين يتجولون في الجوار طوال الوقت، من دون تلقي علاج. ولا توجد ممرضات في الجناح تم تدريبهن بوضوح على التعامل مع مرضى الصحة النفسية. إنه أمر خطر جداً".
وأشارت السيدة غرايدي إلى أن الفريق المجتمعي لمعالجة اضطراب الأكل، لا يكون قادراً على زيارة المرضى سوى مرتين في الأسبوع، وأحياناً تتوافر ممرضات متدربات في مجال السلامة العقلية يأتين من وكالات خارجية، لكنها قالت إن هؤلاء يكن موجودات في المقام الأول لتقييد حركة ابنتها.
في نهاية المطاف، تفاقمت حال ابنة السيدة غرايدي أثناء وجودها في جناح الصحة العامة، إلى درجة أنها أصيبت بالذهان Psychosis (اضطراب نفسي يتضمن أشكالاً من الهلوسة والأوهام).
وتقول "لقد تركنا هي وأنا مصابتين بـ"اضطراب ما بعد الصدمة" Post-Traumatic Stress Disorder (PTSD)، الذي نحاول الآن معالجته، ليس نحن فقط، بل أيضاً الممرضات في الجناح اللاتي عانين بشكل رهيب، لأنهن لم يتلقين أي دعم في هذا المجال".
ظل الوضع على هذا النحو إلى حين نقل ابنتها إلى وحدة المرضى الداخليين التي لا تطبق ممارسة تقييد المرضى، والتي تم تدريب طاقمها على دعم المصابين بالتوحد، وقد أخرجت الفتاة أخيراً من المستشفى بعد التأكد من أنها باتت قادرة على تدبر أمورها.
"اكتظاظ هائل"
تشير "الهيئة الرقمية في خدمة الصحة الوطنية" (أن أتش أس ديجيتال) NHS Digital (توفر التكنولوجيا الرقمية وخدمات البيانات لقطاعي الصحة والرعاية الاجتماعية) إلى ارتفاع عدد الأطفال الذين يحتاجون إلى رعاية صحية عقلية بشكل كبير في أعقاب الجائحة الأخيرة، بحيث يقدر أن طفلاً من كل 6 أطفال تتفاوت أعمارهم بين 6 و16 سنة يعانون حالة صحية عقلية، مقارنة بطفل من كل 9 في عام 2017.
وقال أطباء ورؤساء مرافق "أن أتش أس" لـ"اندبندنت"، إن المستشفيات العامة ما زالت غير مجهزة لإدارة حاجات السلامة العقلية للأطفال.
وتبين من أبحاث نشرت هذه السنة في "المجلة البريطانية للطب النفسي" British Journal of Psychiatry أن 26 في المئة فقط من المستشفيات العامة المتخصصة بالحالات الطبية الحادة كانت لديها خدمة للعناية بالسلامة العقلية للأطفال في عام 2019.
ومن بين تلك المؤسسات لم يحقق سوى مستشفى واحد فقط الهدف المتمثل في وجود 11 موظفاً متفرغاً بدوام كامل في مجال السلامة العقلية، فيما كان هناك 19 في المئة فقط من المستشفيات التي لديها إمكانية تأمين هذه الخدمات على مدار الساعة طيلة أيام الأسبوع.
الدكتورة فيرجينيا ديفيز الرئيسة السابقة للطب النفسي لعلاقات الأطفال في "الكلية الملكية للأطباء النفسيين" Royal College of Psychiatrists، أكدت أن عدد الأطفال الذين يعانون أزمات، والذين يحالون إلى أقسام "الحوادث والطوارئء"، قد "ارتفع بشكل كبير مع مرور الوقت".
وأضافت أن بعضاً من الأسباب يعزى إلى صعوبة الدخول إلى "خدمات السلامة العقلية للأطفال والمراهقين" المجتمعية Child and Adolescent Mental Health Services (CAMHS)، لكن بعضها الآخر يعود إلى انقطاع خدمات التدخل العلاجي المبكر.
ولفتت الدكتورة ديفيز إلى أن "الغالبية العظمى" من الموظفين في المستشفيات العامة هم من الممارسين في مجال الرعاية الصحية البدنية، فيما هناك عدد قليل جداً من العاملين في مجال الصحة النفسية المعتمدين داخل المستشفيات. وهذا يعني أن كثيراً من مراكز طب الأطفال سترزح تحت ضغوط متزايدة في مجال السلامة العقلية، سواء في أجنحتها أو في عياداتها، لكن لا يتوافر لديها موظفون مجهزون للتعامل مع هذه الأزمة. وقالت "ليست لدينا على الإطلاق أي خبرة في مجال السلامة العقلية للأطفال في مستشفيات عدة".
وأضافت "تواجه "خدمات السلامة العقلية للأطفال والشباب" المحلية ضغوطاً هائلة، وهي مكتظة تماماً في الوقت الراهن. ونتيجة لذلك، فإنها غير قادرة على معاينة الحالات المجتمعية العادية المحولة إليها بسبب النقص في الموظفين - لذا تجد صعوبة في تقديم المساعدة (في المستشفيات) في الوقت الذي تحاول فيه تولي مهامها الأخرى".
وتابعت تقول "يبدو أنه ما زال لدينا ذلك التصور الغريب والقديم في شأن الرعاية الصحية البدنية، الذي يتمثل في أن جل ما يحتاج إليه المستشفى هو أطباء وممرضات ومتخصصون مدربون فقط في مجال الصحة البدنية".
متحدث باسم هيئة "أن أتش أس" قال إن "أحدث الأرقام تظهر أن مرافقنا تقوم الآن بمعالجة عدد أكبر من الشباب، أكثر من أي وقت مضى، فيما تواصل القوى العاملة في مجال السلامة العقلية النمو بما يتماشى مع هذا الطلب، فقد تم وضع أكثر من ألفي متخصص نفسي مدرب داخل المدارس لتقديم دعم إضافي ومبكر. وندعو مختلف الجهات التي هي في حاجة للمساعدة إلى التواصل معنا في هذا الشأن".
وأكد متحدث باسم وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية البريطانية، أن مليارين و500 مليون جنيه استرليني (3 مليارت و125 مليون دولار أميركي) تستثمر سنوياً في خدمات السلامة العقلية، مما يعني أن 345 ألف طفل إضافي سيتمكنون من الحصول على الرعاية اللازمة بحلول السنة 2024.
اخر الاخبار
قد يعجبك ايضا