تكاليف الحج تسجل زيادات غير مسبوقة هذا العام
وأرخت موجات متتالية من التضخم بظلال قاتمة على الوضع المعيشي؛ مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية للسكان والتهام مدخرات الكثير منهم، وجعل رحلة الحج بالنسبة للأغلبية الساحقة منهم حلما بعيد المنال.
وأدى الغلاء الذي لم يستثن تكاليف الحج هذا العام وأثّر على معظم البلدان؛ إلى استنكاف العديد من الحجاج عن السفر رغم صدور أسمائهم في القرعة، بعدما تبين لهم أن التكاليف تفوق قدراتهم واستعداداتهم.
ففي مصر -أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان- انعكس تعويم الجنيه وخفض قيمته أكثر من مرة أمام الدولار على تكاليف الحج هذا العام، إذ زادت بنسبة 100% تقريبا مقارنة بالموسم الماضي، مما جعله الأغلى في تاريخ البلاد.
وعلى غير العادة، حصلت مصر على 32 ألف تأشيرة حج من إجمالي حصتها البالغة نحو 72 ألف تأشيرة، وسط عزوف بعض الراغبين في أداء فريضة الحج بسبب ارتفاع التكاليف.
ويقول إلهامي الزيات رئيس اتحاد الغرف السياحية السابق رئيس مجلس إدارة إحدى شركات السياحة إن "تكلفة الحج بالقرعة (حج رخيص نسبيا) زادت بمقدار الضعف تقريبا، نتيجة خفض قيمة الجنيه وزيادة معدلات التضخم في مصر وباقي الدول، وبالتالي ارتفعت التكاليف بشكل كبير".
ففي حين ارتفعت تكاليف حج القرعة من نحو 90 ألف جنيه إلى أكثر من 175 ألف جنيه، بدأت أسعار الحج السياحي من 310 آلاف جنيه، علما بأن الدولار يساوي 30.9 جنيها.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح الزيات أنه إلى جانب ارتفاع تكاليف الحج وزيادة الرسوم، هناك مصاريف أخرى تشكل عبئا على الحجاج الذين يجدون صعوبة في تدبير الريال من البنوك المحلية، ولذلك أصبحت رحلة الحج للبعض رحلة العمر".
وبهدف التغلب على ارتفاع نفقات الحج، وفرت بنوك مصرية قروضا بفائدة سنوية تبدأ من 16% وفترة سداد تصل إلى 10 سنوات لغير القادرين، واعتبرت دار الإفتاء المصرية أن تمويل برنامج الحج والعمرة أمر جائز شرعا.
وفي الأردن، بلغت تكلفة الحج عن طريق البر نحو 3 آلاف دينار (الدينار يساوي 1.41 دولار) للحاج في غرفة رباعية ضمن الفئة الثانية، حسب الأرقام التي أعلنها وزير الأوقاف الأردني، أما فئة الحج "المميز" فتتراوح تكلفته بين 5 و9 آلاف دينار على حسب مستوى اختيار الفندق والخدمات الأخرى التي يطلبها الحاج، ويضاف لها سعر تذكرة الطائرة إذا أراد الحاج القدوم عن طريق الجو.
ويقول مدير شؤون الحج في وزارة الأوقاف لؤي العرضان للجزيرة نت إن ارتفاع رسوم التأشيرة والتأمين الصحي، إضافة إلى ارتفاع قيمة خدمات المشاعر كلها أسباب أسهمت في ارتفاع تكلفة الحج لما لا يقل عن 700 دينار هذا العام، إلا أن العرضان رأى أن المقارنة مع العام الماضي غير صحيحة، لكون عدد الحجاج في الموسم السابق كان تقلص للنصف بسبب جائحة كورونا، وهو ما دفع أصحاب الفنادق إلى خفض الأسعار وزيادة المنافسة.
من جهته، يقول ممثل قطاع الحج والعمرة في جمعية وكلاء السياحة والسفر الأردنية بلال روبين للجزيرة نت إنه للمرة الأولى تصل التكلفة في الأردن إلى هذا المبلغ المرتفع، رغم بُعد بعض الفنادق عن الحرم المكي مسافة 1500 متر، وهو ما دفع أكثر من 500 متقدم للحج إلى الاستنكاف عن الحج بسبب الظروف الاقتصادية، بينما تقول وزارة الأوقاف إن هذا هو الرقم الاعتيادي للمستنكفين.
وفي لبنان، يعكس واقع الحجاج الأثر الكبير للأزمة الاقتصادية التي أفقدت معظم اللبنانيين أموالهم في المصارف منذ انفجار الأزمة في خريف 2019، وسط شح كبير في الدولار.
وقال بعض منظمي حملات الحج في لبنان للجزيرة نت إن ثمة تحولات كبرى في هذا الصدد، فبعد أن كانت شريحة من المسلمين في لبنان تواظب على الحج أكثر من مرة، فإن هذه الفريضة باتت تقتصر هذا الموسم على من استطاع إليها سبيلا، ومن يؤديها مرة واحدة فقط.
وبما أن تكاليف الحج تحتسب في لبنان بالدولار الأميركي، فيقول شراب وسام (وهو أحد منظمي حملات الحج) للجزيرة نت إن التكاليف باهظة، وتبدأ من 4500 دولار، أي ما يوازي بالليرة اللبنانية نحو 418 مليون ليرة، مع تجاوز الدولار عتبة 93 ألف ليرة. ويضيف وسام أن هذا المبلغ لا يمكن تأمينه إلا لدى الأسر اللبنانية المقتدرة، أو من لديهم أبناء مغتربون في الخارج يساعدون آباءهم على توفير تكاليف الحج.
وفي السياق، كشف بسام أبو زيد (صاحب شركة إكسبريس للحج والعمرة) عن تراجع عدد اللبنانيين المتقدمين بطلبات لتأدية الحج إلى أقل من النصف، ويشرح أبو زيد ذلك في حديث للجزيرة نت بأن حصة لبنان من الحج هذا العام هي 7500، منها 3 آلاف للطائفة السنية، و3 آلاف للطائفة الشيعية، و1500 من اللاجئين الفلسطينيين.
ويفيد أبو زيد أن حصة اللبنانيين اكتملت هذا العام، بينما عدد الفلسطينيين المسجلين للحج لم يتجاوز 850، وفي مقابل اكتمال القائمة سُجل تراجع حاد في عدد الذين يقدمون طلبات الحج حتى أقل من النصف، وأوضح أن عدد الطلبات قبل الأزمة كان يبلغ نحو 18 ألف طلب، وفي سنوات الازدهار بلغ 30 ألف طلب، أما هذا العام فلم يتجاوز إجمالي عدد الطلبات 8 آلاف طلب.
أما في تونس، فقد عرفت تكلفة أداء مناسك الحج للتونسيين خلال الموسم الجاري ارتفاعا صادما، بعدما حددت وزارة الشؤون الدينية الكلفة بـ4.19 آلاف دينار (نحو 7 آلاف دولار)، أي بارتفاع قدره ألف دولار مقارنة بالموسم الماضي.
وتعد هذه التكلفة الأعلى في تاريخ تنظيم رحلات الحج في تونس، ويرجع مسؤولون الارتفاع إلى تصاعد كلفة الإقامة والتنقل والخدمات في السعودية، في حين يرى بعض الحجاج أن الدولة رفعت الأسعار لتحقيق الأرباح.
وتبدو فرحة الحجاج المتجمعين عند مطار تونس قرطاج قبل إقلاع طائراتهم نحو جدة عارمة، لكنها لا تخفي ذهولهم من التكلفة.
هدى الرميلي التي رافقت والديها للمطار قبل انطلاق رحلة تضم 250 حاجا تقول "بلغت كلفة الحج لوالدي أكثر من 50 ألف دينار (20 ألف دولار)".
وتؤكد للجزيرة نت أن تبريرات المسؤولين بارتفاع كلفة الإقامة والتنقل والخدمات غير مقنعة، معتبرة أن جزءا من الكلفة تذهب إلى شركة الدولة المشرفة على تنظيم الحج من دون أدنى مراعاة للأوضاع المعيشية الصعبة.
وغير بعيد، يرافق خليل الغبريش شقيقه الذي يسافر لأول مرة لأداء مناسك الحج، ويبدو شقيقه خجولا عند سؤاله حول تكلفة الحج، لكن خليل يقول إن الحج أصبح حكرا على البرجوازيين وميسوري الحال فقط؛ فبالنسبة له فاقت تكلفة أداء مناسك الحج طاقة الطبقة الوسطى المستنزفة أصلا جراء التضخم المتصاعد.
يواجه حجاج تركيا البالغين 83 ألفا و430 حاجا هذا العام زيادة في تكاليف أداء الفريضة بأكثر من 60% مقارنة بالعام الماضي، لكن شركات السياحة والحج تحدد التكاليف عادة بالريال السعودي، وعند حساب الكلفة بعملة المملكة فإن التكاليف لم تسجل سوى زيادة طفيفة عن السابق، وكانت تكلفة الحج تتراوح بين 16 و22 ألف ريال عام 2022، أي ما يعادل 62 إلى 86 ألف ليرة تركية عندما كان الريال يعادل 6.4 ليرات تركية.
وحسب حجاج وشركات سياحة في تركيا، فإن الحد الأدنى لكلفة الحج هذا العام لا تزال عند 16 ألف ريال، أو ما يعادل 4250 دولارا، ونحو 100 ألف ليرة تركية، بزيادة نحو 65% عن العام الماضي، إذا بلغ سعر الريال حاليا 30.6 ليرة.
أما الحج المميز من دون قرعة، فأسعاره تتضاعف وتتفاوت بين 8 و9 آلاف دولار أميركي، وقد تصل إلى أكثر من 20 ألف دولار، حسب نوع الغرف والخدمات التي يطلبها الحجاج.
وأكد سعد الأبرش (مسؤول في حملة البيت العتيق للحج في تركيا) أن زيادة تكلفة الحج هذا العام اقتصرت على 100 دولار مقارنة بالعام الماضي، إذ كانت بحدود 4150 في الموسم السابق.
وأضاف للجزيرة نت أنهم لاحظوا زيادة في أسعار بعض المأكولات والمشروبات وكذلك المواصلات في المملكة العربية السعودية، لكن هذا لم يمنع من إقبال الحجاج على التسجيل على الحج.
وعلى صعيد اللاجئين السوريين في تركيا، فقد أوضح المتحدث باسم لجنة الحج العليا التابعة للائتلاف الوطني السوري المعارض هشام خطيب أن شريحة كبيرة من السوريين تأثروا بالحالة الاقتصادية وغلاء المعيشة في تركيا، مما جعلهم يعزفون عن الحج أو يؤجلونه لموسم آخر بسبب الارتفاع الكبير في كلفة الحج بالعملة المحلية.
وأوضح في حديث للجزيرة نت أنه في المقابل قرر كثير منهم السفر للحج رغم ضيق الحال، إذ باع بعضهم بيتا أو أرضا أو سيارة ليكمل كلفة الحج لنفسه أو لوالديه، ويقول خطيب إن الحج له خصوصية بالنسبة لكثيرين، إذ لا يخضع غالبا للحالة الاقتصادية العامة.
اخر الاخبار
قد يعجبك ايضا